أعمال النهب الأثري تتفاقم في مدينة تدمر السورية وسط انهيار أمني
أعمال النهب الأثري تتفاقم في مدينة تدمر السورية وسط انهيار أمني
تفاقمت أعمال النهب الأثري في مدينة تدمر السورية والمناطق التاريخية المجاورة منذ سقوط النظام السابق، وسط انهيار أمني شامل وتفشي الفقر الذي طال أكثر من 90% من السكان، وباتت المقابر الأثرية القديمة مسرحًا لعمليات تنقيب عشوائية منظمة، تقودها شبكات إجرامية تسعى لاستخراج الكنوز الجنائزية والفسيفساء التاريخية لبيعها عبر الإنترنت.
وحوّلت أعمال النبش الجائر مقابر تدمر إلى حفرٍ عميقة تشوّه ملامح المدينة الأثرية، التي كانت يومًا ما مركزًا للحضارة الرومانية في الشرق الأوسط، وتحولت "مقبرة الإخوة الثلاثة" إلى أكوام من الحجارة المتناثرة، وتعرضت توابيتها للنحت والتخريب، وسط غياب تام للسلطات المعنية أو الحماية في سوريا، وفق شبكة “يورونيوز”
وصرّح محمد الفارس، الناشط في منظمة التراث من أجل السلام قائلا: "تحت كل قبر هناك طبقات تاريخية متداخلة، وعندما تُدمّر دون دراسة، نفقد القدرة على فهم ماضينا".
السوق السوداء الجديدة
سجّل مشروع ATHAR، وهو مبادرة بحثية تتابع تهريب الآثار والأنثروبولوجيا، ارتفاعًا غير مسبوق في عمليات النهب منذ ديسمبر الماضي، وأكد الدكتور عمرو العظم، أحد مؤسسي المشروع، أن انهيار النظام الأمني بعد سقوط بشار الأسد أدى إلى انفجار "حمّى ذهب" في مناطق أثرية شاسعة، تُستغل من قبل السكان الجائعين والمهربين على حد سواء.
وأوضح العظم أن “المجموعات العامة والخاصة على فيسبوك أصبحت بمنزلة سوق مفتوح، تُباع فيه كل أنواع القطع، من فسيفساء نادرة إلى تماثيل حجرية تعود لآلاف السنين”.
وفي مشاهد مسربة من تل الشيخ علي قرب السلمية، صوّرت مجموعة مراقبة محلية معدات ثقيلة تنبش الأرض الأثرية نهارًا أمام العلن، وقال أحد الباحثين في المجموعة، متخفيًا خوفًا من الانتقام: "لا أحد يوقفهم، يعملون ليلاً ونهارًا، ونحن لا نملك سوى التوثيق".
وفي مشهد آخر داخل إحدى مجموعات فيسبوك، ظهر رجل سوري يعرض فسيفساء تصور الإله "زيوس" لا تزال مزروعة في الأرض، ليتبعها بصورة أخرى تُظهر نفس القطعة بعد اقتلاعها، وصرّح الرجل: “هذه واحدة من أربع قطع نمتلكها”.
فيسبوك يَعِد بالحظر
رغم إعلان شركة "ميتا" حظر بيع الآثار عبر فيسبوك منذ عام 2020، تؤكد كايتي بول، المديرة التنفيذية لمشروع الشفافية التكنولوجية، أن الحظر لا يُنفذ فعليًا، وأن عشرات المجموعات ما تزال نشطة وتضم مئات الآلاف من الأعضاء.
وقالت بول: "خلال الأشهر الأخيرة، رأينا تدفقًا غير مسبوق للقطع الأثرية المسروقة من سوريا على الإنترنت، بعضها يُباع خلال أيام فقط، في حين كان يستغرق البيع شهورًا في الماضي."
وأضافت أن تهريب التراث الثقافي في النزاعات يُعد جريمة حرب دولية، في حين يسهم فيسبوك بشكل غير مباشر في تيسيرها عبر منصته.
وفي ظل تفاقم الفقر في سوريا وصعوبة ضبط السكان اليائسين عن النبش، يحمّل الخبراء المسؤولية الكبرى للدول الغربية، التي تُعد السوق الأهم للمقتنيات الأثرية المهربة.
وقال الدكتور العظم: "يجب أن نوقف الطلب من الغرب. كل هذا لن يتوقف طالما ما زالت المزادات والمتاحف في أوروبا وأمريكا ترحب بهذه القطع، حتى وإن دخلت عبر شهادات منشأ مزيفة."
مدافعون عن التاريخ
في مدينة تدمر، يتجوّل محمد الفارس ليلاً رفقة مجموعة من السكان المحليين، يحرسون ما تبقى من معالم مدينتهم، بعزيمة مَن يدرك أن ما يُسرق اليوم ليس حجارة فقط، بل تاريخ أمة وذاكرة حضارة امتدت لآلاف السنين.
تُعد سوريا واحدة من أغنى بلدان العالم بالآثار القديمة، وتضم مواقع تاريخية من العصر البرونزي مرورًا باليوناني والروماني والبيزنطي وحتى الإسلامي، وقد تعرضت هذه المواقع لأضرار بالغة خلال الحرب التي بدأت عام 2011، ثم زاد الضرر مع صعود الجماعات المتطرفة وسقوط مؤسسات الدولة.
وتُصنَّف تدمر، المدرجة على قائمة التراث العالمي، كواحدة من أبرز المواقع التي تواجه خطر الزوال التام بفعل النهب الممنهج، وغياب الرقابة الدولية الفعالة.